الأربعاء، 20 مايو 2020

انهزامٌ ذاتي


أن تنهزم أمام ذاتك
تلك هي أشر هزيمة
أن تُخيب ظنون نفسك بنفسك
أن تجعل سقف طموحاتك عالياً
وتعيش انت بين جدران القبو
وتمضي وقتك في محض محاولات فاشلة للخروج منه

أن تنهزم أمام ذاتك
يعني ان تتزعزع ثقتك بنفسك
أن تفقد تقديرك لها
أن ينحسر شعورك بالفخر بها

أن تنهزم أمام ذاتك
يعني ان يتلاشى هدفك
أن يخفت شغفك
أن تصبح كل إنجازاتك الماضية -في نظرك- هباءً منثورا

أن تنهزم أمام ذاتك
يعني أن ينطفئ بريق الحياة في عينيك
أن تتساقط بتلات الأمل بداخلك

أن تنهزم أمام ذاتك
يعني أن تفقد اثمن ما تملك في حياتك

الأربعاء، 29 أبريل 2020

🌙 أقبل رمضان

🌙 أقبل رمضان، فكل عامٍ وأنتم بخير ورمضانكم مبارك ، و كل عامٍ وأنتم إلى الله أقرب
السطور التالية قرأتها في مدونة رواء وقد كُتبت في استقبال شهر رمضان المبارك وأحببت أن أشارككم بها
يأتينا رمضان هذه المرة بشكل مختلف، هذه المرة نحن مع الله فقط، لا واجبات اجتماعية تشغلنا عنه، لا أصحاب نتعذّر بهم، لا تكاليف ولاقيود ولا انشغلات نُرائي بها ولا جدول زيارات، نحن مع الله فقط.
“إذا كان أولُ ليلةٍ من شهرِ رمضانَ صُفِّدَتِ الشياطينُ ومَرَدةُ الجنِّ، وغُلِّقتْ أبوابُ النارِ فلم يُفتحْ منها بابٌ، وفُتِّحَتْ أبوابُ الجنةِ فلم يُغلقْ منها بابٌ، ويُنادي منادٍ كلَّ ليلةٍ: يا باغيَ الخيرِ أقبلْ، ويا باغيَ الشرِّ أقْصرْ، وللهِ عتقاءُ من النارِ، وذلك كلَّ ليلةٍ“ المصدر: سنن الترمذي (682)، وقال الألباني: صحيح.
نلاحظ أن الحديث يبدأ بِـ إذا كانت أول ليلة من شهر رمضان، فمعناه أن هذا الاختلاف يبدأ من أول ليلة، تصفد الشياطين ومردة الجن، و تغلق أبواب النار فلا يفتح منها باب، كائنًا ما كان ذنبك وكائنًا ما كان سوؤك، لا يفتح في هذا الشهر أي باب من أبواب الجحيم، وتفتح أبواب الجنة فلا يغلق منها باب، وينادي منادٍ يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر.
فلو كتب لنا الله حياة ودخلنا في أول ليلة من رمضان فأنت ترجو بركة هذا الحديث أن تكون أنت في أول زمرة تعتق رقابهم وأنت بعدك لم تصم أصلًا! فإذا كان الجمعة رمضان فيوم الخميس بالليل (ليلة الجمعة) هي أول ليالي رمضان، هذه الليلة التي نستقبل فيها التبريكات والتهنئة وتكون منشغلاً بإرسال الرسائل، هذه الليلة ترفع إلى الله قائمة بأسماء المعتوقين وهم لم يصوموا رمضان بعد.
فلتكن لنا فرصة للبدء من جديد وليكن هذا هو رمضان الذي لطالما انتظرناه لننطلق
دُمتم بود

الثلاثاء، 31 مارس 2020

نحن وكورونا

تنويه هام قبل البدء : حديثي هنا ليس تمجيداً في فيروس كورونا أو تقليلاً من خطورته ، وإنما هو مجرد دعوة لرؤية الأمورمن زاوية أخرى أكثر إيجابية، ومحاولة لإبداء رأي آخر
أصبح الحديث عن فيروس كورونا (كوفيد-19) هو الشغل الشاغل للجميع في أنحاء العالم، ولا يكاد يخلو حديث بين اثنين من سؤال أو إخبار عن آخر التطورات بشأن كورونا
وأنا هنا ، أدلو بدلوي لكم عن فيروس كورونا ايضا .. ولكنني لن أتحدث عنه من ناحية علمية ، ولن أسرد لكم تلك الإجراءات الاحترازية التي يجب ان نتبعها لحماية أنفسنا و غيرنا منه ، وكل تلك المعلومات الروتينية التي أكادُ أجزم أنكم قد سمعتم وقرأتم منها الكثير والكثير حتى الآن
حديثي هنا هو نقلٌ لبعض من الأفكار التي راودتني ، وجعلتني أرى قليل من النواحي الإيجابية التي نتجت عن انتشار هذا الفيروس الذي قد أصبح ( جائحة عالمية كما صنفته منظمة الصحة العالمية ) ، فكما يُقال دائماً ” رُب ضارةٌ نافعة ” فلا يوجد شيءٌ سيء يحدث لنا إلا وحمل لنا بعض من الخير معه
بداية .. هذا الفيروس رحمة من الله تعالى ! نعم هو ابتلاءٌ في ظاهره ولكن في باطنه رحمة ، فعن أبي يَحْيَى صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ. (رواه مسلم) إذا فكلُ ما يأتينا من الله تعالى هو خير أكيد
” فكم من شدةٍ محصت ذنباً ، ونبهت من غفلة ، وذكرت بنعمة ، وكم من محنة أعادت إلى الرحمن سبحانه وتعالى ، وأنقذت من الشيطان ” فيجب أن تكون هذه هي نظرتنا لتلك المحنة التي نمر بها الآن والتي حتماً سيأذن الله لها أن تزول في القريب العاجل
وأيضاً هذا الفيروس فرصة ! نعم فرصة .. فمن ضمن الاجراءات الاحترازية التي اتبعتها أغلب الدول للحد من انتشار العدوى أنها فرضت حظر تجول لعدد من الساعات خلال اليوم ، وهذا جعل الكثير من الناس يتذمرون بشأن الوقت الطويل الذي سيُجبرون على قضاءه في المنزل. بينما بنظرة أخرى نجد أن هذا الأمر هو فرصة لعمل الكثير والكثير من الأشياء التي كنا نغفل عنها في وسط انشغالنا في زحام الحياة ، والتي لم نكن نجد لها وقتاً في جدول أعمالنا الممتلىء
فهو فرصة لمن أرد أن يحفظ شيء من القرآن الكريم ولم يكن يجد الوقت لذلك ..وفرصة لمن يريد أن يُبحر بين صفحات الكتب ، وأن يقرأ من تلك العناوين التي قد أعد بها قائمة طويلة منذ زمن ولم يبدأ بأي منها حتى الآن
وفرصة للاجتماع مع الأهل ولم الشمل الذي كادت أن تمزقه مشاغل الحياة ، وفرصة لسد تلك الشروخ والتصدعات التي ظهرت في جدران بعض الأسر ، وتحسس مواطن الضعف في علاقتنا الأسرية وتقويتها
وفرصة للخلوة مع الله .. نعم للحديث معه والرجوع إليه والبدء من جديد ، فالله تعالى يقول في الحديث القدسي : ( أنا عند ظن عبدي بي ) فلما لا نجعل ظننا بالله حسن ، ونعتبر ما يحدث لنا الآن هو بمثابة تنبيه ودعوة للعودة لله مرة أخرى بعد أن حِدنا كثيراً عن طريقه وفقدنا لذة الاتصال به سبحانه وتعالى
وأخيراً .. هذا الفيروس هو إنقاذ ! وتلك فكرة طريفةٌ قد خطرت لي و وجدت بها بعضاً من الصحة ..لربما تتسألون كيف يكونُ إنقاذ وهو قد أزهق من الأرواح حتى لحظة كتابة هذه التدوينة ما يقارب 41,475 شخص ، هو ليس إنقاذ لنا ولكنه إنقاذ للمكان الذي نعيش فيه جميعاً
فبينما يهجم هذا الفيروس على أجسامنا وتحديداً رِئاتنا ويُدمرها فهو قد سمح لرئة كوكب الأرض بالتنفس قليلاً ، فحظر التجول الذي قامت به أغلب الدول ترتب عليه تقليل نسبة استخدام المواصلات ، وأيضاً إيقاف تشغيل الكثير من المصانع حتى إشعار آخر وهذا ساهم بشكل كبير في تقليل انتشار بعض من الغازات السامة في الهواء مما وفر الآن هواء نقياً نسبياً يُمكن أن ننعم به من نوافذ وشُرفات منازلنا
ولو تأملنا أكثر سنلتمسُ جوانب إيجابية أخرى بين طياتِ هذه المحنة .. فأعودُ لأختم بما بدأت به .. لتكن لنا نظرةٌ بزاوية مختلفة ، فالحياة ستمضي بكورونا وبغيره ونحن من نحدد كيف سنجعلها تمضي .. وهذه المحنة زائلةٌ لا محالة بمشيئة الله تعالى ، لذا فلننتهز هذا الوقت الراهن بما يعود بالنفع علينا وعلى غيرنا ، لنخرجَ بمشيئة الله من هذه المحنة ونحن نسخةٌ جديدة منا وقد جعلنا الأثر العائد علينا مما مررنا به أثرٌ حسن ونافع
ولمساعدتكم قليلاً تجدون في صفحة تصاميمي في قسم الإنفوجرافيك تصميم بعنوان أفكار لقضاء الوقت في المنزل يحتوي على بعض الطرق التي تساعد على قضاء وقت ممتع ومفيد أثناء فترة الحجر المنزلي ، ويمكن لكل منكم إعداد قائمته الخاصة ويضع بها كل ما يُحب ويتناسب معه
دُمتم بود .. وحفظكم الله تعالى من كل مكروه

الأحد، 22 مارس 2020

و كِبرت سنه



اليوم .. وفي تمام الساعة الثامنة والنصف صباحاً .. أتممتُ عامي الثاني والعشرين
فكلُ عامٍ وأنا بخير جداً
كلُ عامٍ وأنا أفضل
كلُ عامٍ وأنا أقوى
كلُ عامٍ وأنا سندٌ لي وملجأٌ يأويني
كلُ عامٍ .. وأنا معي

اليوم كبرتُ .. وكبرت معي أحلامي
اليوم أَفَلَتْ صفحة من كتاب حياتي
وبدأتُ اخط أولى السطور في صفحة جديدة
وشرعتُ أخطط لعامٍ جديد من عُمري
مليءٌ بما أحب .. كما آمل ، وقليل به ما أكره .. كما أتمنى

فاللهم إني استودعتك عاماً مضى من عُمري .. فأغفر لي ما كان فيه
و اجعل القادم أجمل وألطف
وحقق لي ما أتمنى
وأكتب لي الخير أينما كنت، ثم أرضني به .. يا رب

الجمعة، 20 مارس 2020

إلى قلبٍ مُحطم

سلامُ عليكَ يا من حاولت .. وتُحاول حتى أُنهكت وتَعِبت
سلامٌ عليكَ يا من بذلتَ حتى حُطمت .. ولم تجد من يُلملم حُطامك ويجمعهُ سوياً مرةً أخرى
فهاكَ حديثي لعلهُ يكون برداً وسلاماً عليك ، ولعلهُ يُصلحك ويجعلُ الحياةَ تَدب فيك من جديد

عَطشٌ أنت ؟
تُريد أن ترتوي لتحيا ؟
إذاً ماذا هناك غير كتاب الله ليكون خيرَ دواءٍ لك
ألم تأتك رسالةُ الخالقِ اللطيف بنا مُسطرة في كتابه ؟
ألم تقرأ ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) ؟
ماذا غير كلام خالقك وصانعك ومدبر أمرك يكون دواء لك ؟ من عساه يفهمك ما بك غير من وضعه بك ؟فأنت يا صاحبي عطشٌ ، لذلك كل ما في هذا الكتاب جاء ليحيك من جديد وليبث فيك النبض مرة أخرى
وهذا دواؤك الأعظم

وأيضاً .. هناك دواءٌ آخر قد يعيد لك رمق الحياة
أن تتفقدَ أحبابك .. أولئك الذين أنستكَ مُجريات حياتك أن تسأل عن أحوالهم وتلتمسُ حاجاتهم وتُعينهم على قضائها ، فتفقد أرحامك وأعد حبال الوصل بينكم .. فهذا من شأنه أيضاً أن يرويك ويمد العون في ترميم ما حل بك من دمار

وأخيراً وليس آخراً .. دع الأملَ يُعشعش بكَ ، فهو خيرُ ترياقٍ تتسلحُ به في وجه هذا الحطام كي لا يعاودك مرة أخرى
وأعلم دائماً انه مهما طال ليلُك ففجرُك قادمٌ لا محال
وأن الله سَيزهِرُكَ ولو بعد حين

الثلاثاء، 18 فبراير 2020

الوصية الأخيرة



شدت على ردائها حين داعبتها نسمات الهواء الباردة وهي جالسة على ذلك المقعد الخشبي القديم أمام النيل ، فاليوم هو الذكرى الثانية للنصر
ذلك النصر الذي رغم فرحتها به الا انه حمل لها الكثير من الألم .. وحمل لها وصية شهيد
تجلس الان تستعيد ملامح تلك الفترة من حياتها وبرفقتها طفلها الصغير أحمد .. أحمد الوصية الأخيرة لذاك الغائب
كانت البلاد تعيش حالة من اليأس والألم جراء تلك النكسة التي ألمت بهم ، وكان أحمد بصفته أحد جنود جيش بلده منكسراً هو الأخر بسبب تلك الخسارة الفادحة التي راح ضحيتها دماء اخوانه واصدقاءه .. واحتلال تراب بلاده الغالي
في تلك الليلة جلس مع عُلا على ذاك المقعد الخشبي اللذي لطالما كان شاهداً على كل لقائتهما ولكن في تلك المرة كان شاهداً على دموعها تلك التي هطلت عليه حينما أخبرها أحمد بأنه مضطرٌ لتأجيل حفل زفافهما لضرورة تواجده مع باقي الجنود كي يثأروا لحقهم ويستردوا أرضهم تلك التي اغتصبها العدو على مرأى منهم
لم تكن تدري عُلا لما تبكي ؟
أتبكي حسرة على حال بلادها
أم تبكي ألماً على خطيبها الماثل أمامها منكسراً متألماً جراء تلك النكسة
أم تبكي خيبة احتلت حلمها الأكبر بأن يتوج ذاك الرباط المقدس حباً ترعرع في قلبيهما منذ الصغر
أم تبكي خوفاً من قلقٍ بدأ ينهش في فؤادها حين اخبرها احمد انه ذاهب إلى تلك الحرب مرة أخرى
تقابلا مرة أخرى وقت الرحيل
جموع احتشدوا ما بين قريب ورفيق وحتى جيران الشارع الذين قلما تحدثوا معه ،جميعهم أتوا مودعين لأحمد
ومن بين كل تلك الجموع أتت هي تجر قدميها باكية مشتتة كقطة تائهة تبحث عنه لتودعه وتخبره بأنها ستنتظره كي يعود لها مرة أخرى كي يحتفلا بزفافهما وبالنصر لبلادهما
احتضنها مودعاً ، واحتضن فيها حنان امه ذلك الذي فقده منذ التاسعه ، واحتضن فيها حباً دام خمسة عشر عاماً كانا فيها يكبران سويا ويكبرحلمها بأن يبقيا معاً دائماً
نظر أحمد لعلا نظرة أخيرة وقال لها : إن لم أعد وعاد لك النصر فعيديني ان يكون ابنك الأول هو أحمد كي يكون شاهداً على قصة لم تنتهي معك ولكنها توجت بالنصر لكِ ولمستقبله
ارتجفت علا من رأسها حتى أخمص قدميها عند سماعها فكرة فقدانه وهطلت دموعها بغزارة أكبر وقالت له سوف تسميه انت حين تعود
سأنتظرك ككل مرة .. سأنتظرك فلا تتأخر
كزهرة غاب عنها الماء بدت علا ف الأيام التالية لرحيل أحمد
أصبحت تمكث اغلب الوقت بجانب المذياع علها تسمع بياناً من الجيش يبشرهم بالنصر و يطمئن قلبها الذي أبى ان يفارقه القلق منذ رحيله
في ذلك الصباح صيحات الفرح ملأت الطرقات ، وشرائط الزينة الخضراء تقافزت بين الشرفات وابتهالات الفرح صعدت إلى السماء وعلت أصوات الجميع مرددين
الله أكبر ، الله أكبر
والجيش يبث بيانه بأن الأرض المحتلة قد عادت لهم مرة أخرى
وانتصر جيش بلادهم
وانقشعت غيمة النكسة واشرقت شمس النصر مرة أخرى
الجميع فرحون وعُلا تبكي فرحاً لنصر بلادها وقلقاً على خطيبها الغائب حتى الآن
ثلاثُ دقات على الباب كانت كفيلة لأن يفتحه والد عُلا ويتبادل مع الطارق بضع كلمات قبل يعلوا صوته بعبارة .. إنا لله وإنا إليه راجعون .. ذهب فداءً لتراب بلاده
سمعتها علا من الداخل لتكتم شهقتها بيدها وتهرع باكية الى غرفتها
فقد عاد النصر دونه
عادت الأرض ودفع أحمد حياته ثمناً لها
بكته كثيراً يومها وظلت فرحتها بالنصر ناقصة دونه
احتسبته عند الله شهيداً وودعت حلمها بأن تحمل اسمه في يوم ما وعزمت على تحقيق وصيته الأخيرة لها
بعد بضعة أشهر ، فتحت علا عينيها بتثاقل
نظرت حولها متفحصة الوجوه التي تنظر إليها علها تجد ابتسامته الحانية من بينها بالرغم من مرور سنتين على ذلك اليوم الذي فقدته به إلا أنها لازلت تراه بين وجوه كل من حولها
هزت رأسها كي تستعيد بعضاً من تركيزها لترى أباها وأمها وبعضاً من صديقاتها واقفين حولها
وترى هاني أخو أحمد
هاني الذي تزوجها بناء على وصية أحمد السرية له .. فلم يكن أحمد يأمن أحد بعد وفاته على علا أكثر من شقيقه
هاني .. والد طفلها الذي يحمله بين ذراعيه وعيناه تتلألأ بالدموع
قبل رأسها ووضع طفلهما بين يديها
نظرت إليه بحب فهي تحمل قطعة منها وتحمل حلماً لطالما انتظرت ان يصبح واقعاً، همست له أهلا بك يا آخر ما وصى به الشهيد ، أهلاً بك يا أحمد
وبعد عدة أشهر أخرى .. استيقظت علا من نومها ، عازمة على الذهاب إلى النيل بالرغم من تميز الأجواء واجتماع العائلة في ذلك اليوم
ارتدت معطفها الأحمر الذي لطالما قال لها احمد انها تبدو بداخله (كالورد البلدي) بحديقة منزله
وضعت طفلها أحمد بعربته ونزلت إلى الشارع لترى الفرح يعلوا قسمات أوجه الجميع وعبارات النصر تزين الجدران وعناوين الصحف تعيد ذكرى ذلك اليوم وتمجد من جديد ذلك النصر العظيم
ومثل كل عام أبت فرحتها ان تكتمل
فذكرى النصر تلك تعيد لها ذكرى فقدان احمد
وصلت إلى النيل
جلست على المقعد الخشبي تنظر لمكان جلوسه
تمرر يديها لتمسح بلطف ذلك الغبار الذي اعتلى مكانه
تحدثه كما لو كان معها
بعفوية أشارت إلى طفلها وقالت بصوت غلفه البكاء فرحاً وألماً: ها هي وصيتك الأخيرة لي
ها هو الشاهد على حلم لم يكتمل بك
ها هو عهدي الأخير معك
ها هو أحمد يا أحمد
ابني وابن أخاك وحاملُ لواء اسم الشهيد
– انتهت –

بين دفتي كتاب

كان المقهى مُزدحماً بالكثير
هذا يجولُ بعينيهِ بين الفتيات
وذاك منشغلٌ بمراسلةِ إحداهُن على هاتِفه
وذا يضحكُ بسذاجةٍ مع أصدقائِه
ووقعت عينايَ عليه
كان هو يختلفُ عنهم
تُحيطُ به هالةُ قدسيةٍ جعلت نظري يتجهُ إليهِ دونَ مُقاومةٌ مني
ٌلقد كانت وسامتهُ عادية
ٌمظهرهُ بسيط
قليلُ الحديث
شِبهُ انطوائي
وبالرغمِ من ذلك أسرني منذُ النظرةِ الأولى
ٍوقعتُ في فتنتهِ ما إن رأيتُه بصحبةِ كتاب
نعم .. كتابٌ كان يُجالسُه كما لو كان بصُحبةِ صديقٍ عزيز
يُقلبُ صفحَاته بحذرٍ شديد يكادُ ان يكونَ حناناً مفرطًا
نعم
لقد كان سيدُ كل من في المقهى حينها
جعلني أطمئنُ بأن هُناكَ أحدٌ ما لازالَ شغوف بحملِ ومجالسةِ كتابه اثناء احتسائهِ لقهوته في مكانٍ عام
أطمأننتُ لكونِ ان يد السطحية والسذاجة لم تطالهُ بعد
وفجأةً رفع رأسه
وابتسم لي على حينِ غرة
اشحتُ بنظري بعيدًا عنه
لم أكن أعلم ان ابتسامتَهُ تلك سوف تكونُ قصةٌ لكتابٍ جديد
قصةٌ ستبدأُ وتنتهي بين دفتي كتاب
قصةُ ستُكتب وتُحفر في ذاكرتي قبل ان تُخلد على الورق
قصةٌ سيقرأها ذات يوم
في نفس المقهى
وعلى نفس المقعد
دونَ ان أكونَ أنا حاضرةٌ حِينها
ودونَ أن يعلمَ انهُ المعنيُ بِها